تقول النكتة إنه، في أحدث نسخة من جمهوريات الموز المحكومة عسكريًا، قررت السلطة إطاحة وزيرٍ للعدل، بحجة إهانة فئة الزبالين في شعبه، حين مارس ما اعتبره الناس تمييزًا عنصريًا، بقوله إن أبناء هذه الفئة أدنى من أن يلتحقوا بالسلك القضائي. وبعد أيام من إقالته، وضعت مكانه وزيرًا جديدًا للعدل، يمارس، منذ سنوات، تمييزًا أكبر، وعنصرية أشد، إذ يعلن دومًا أن القضاة هم الأسياد والآخرين هم العبيد.

جمهورية الموز هي مصر، والسلطة هي عبد الفتاح السيسي، والوزير الجديد هو أحمد الزند، قاضي الثورة المضادة، وزعيم التيار العكاشي في منظومة القضاء المصري، والذي قال يومًا لزميله في "الدولة العكاشية": "نحن أسياد وغيرنا عبيد وإللي هيحرق صورة قاضي هيتحرق قلبه وذاكرته وخياله من أرض مصر".

وبهذا القرار، بتعيين الزند (العنصري الثقيل) بدلًا من محفوظ صابر (العنصري الخفيف)، تدخل قصة إقالة الوزير السابق ضمن ألغاز التاريخ السياسي التي ستتكشف يومًا ما بالتأكيد، مع الوضع في الاعتبار أن اختراع قصة معركة الوزير وجامعي القمامة تمت، قبل أيام قلائل من مجزرة قرارات الإعدام التي طالت أكثر من مائة وعشرين معارضًا سياسيًا.

الأهم هنا أن تصعيد أحمد الزند، في هذه المرحلة التي بلغ فيها المد الفاشي أوجه، وهجرت العدالة مصر، كما لم يحدث من قبل، قرار منطقي، ولا ينبغي أن يفاجئ أحدًا، في ظل إمعان نظام عبد الفتاح السيسي في إظهار شراسته ودمويته ضد كل ما يتعلق بثورة يناير، ويتماشى تمامًا مع إعلان مصر "جمهورية عكاشية" بامتياز، فالرجل هو"عكاشة القضاء"، كما أن إلهام شاهين "عكاشة الفن التجاري"، بالإضافة طبعًا إلى "عكاشة الإعلام" الأصلي، وثلاثتهم كانوا الأوفر جهدًا والأكثر نشاطًا في خدمة مشروع الثورة المضادة لوضع "عكاشة عسكري" في سدة الحكم.

فالزند الذي لاحقته اتهامات بالفساد المالي، نشرتها صحيفة الأهرام الحكومية على بوابتها الإلكترونية بالمستندات، بتاريخ (9-9-2014)، واشتهرت عنه كراهيته ثورة يناير ومن ينتسبون لها، وما ارتبط بها من وسائل التواصل الاجتماعي التي تنشر "القباحة"، على حد قوله لتوفيق عكاشة، في مداخلة هاتفية، ويطلق عليها "فوسبوك والطنيطر"، كان قد حول نادي القضاة إلى قاعة مؤتمرات مجانية لكل المجموعات المشاركة في مشروع الانقلاب.

وبهذا المعيار، يمكن اعتبار أحمد الزند واحدًا من جنرالات الصف الأول في معسكر الثورة المضادة، وصاحب فضل على سلطة عبد الفتاح السيسي، فهو صائد الأيقونات الثورية التي قبلت أن تبيع رصيدها الجماهيري في ملاهي الثورة المضادة، ولم تجد غضاضة في ممارسة رذائل السياسة مع قيادات الدولة العميقة، وهو الذي حوّل نادي القضاة إلى مقر دائم لتوزيع استمارات "تمرد".

إذن، على مستوى الداخل، توجه السلطة رسالة بهذا القرار إلى الجميع، مفادها بأنها ماضية في قمعها وفاشيتها، وها هي تعلن قطيعتها الكاملة مع ثورة يناير التي امتطت رموزها بشكل مؤقت، في مرحلة ما، لكي تعبر بانقلابها إلى بر الأمان.

وخارجيًا، تقول السلطة لآباء الانقلاب الحقيقيين إنها ملتزمة بما رسموه لها، وها هي تأتي بألد الناس خصومة وحقدًا على المقاومة الفلسطينية وزيرًا للعدل، فهو الرجل الذي "اصطنع" حادثة محاولة اعتداء عليه في مقر نادي القضاة، إبّان احتضانه أعمال التحضير للانقلاب، واستثمرها في اتهام حكومة غزة، إذ كان لافتًا للنظر الإعلان الفوري أن فلسطينيين ضمن المشاركين في الاعتداء، خصوصًا أن الحادث جاء عقب طرح كميات هائلة من الادعاءات والحواديت المسلية عن بيع سيناء للفلسطينيين، وبيع قناة السويس للقطريين، بموجب الدستور الجديد، ناهيك عن تصاعد الحكايات اللطيفة التي تدمج حركة حماس في تفاصيل المشهد السياسي المصري وتطوراته.

ولا يغيب عن الذاكرة أن الزند، وهو رئيس نادي القضاة، كان صاحب الصيحة الشهيرة التي طالب فيها الرئيس الأميركي، باراك أوباما، بدعم الانقلاب، حين قال، في مؤتمر جماهيري في النادي، أبريل 2014، موجهًا خطابه: "إلى الرئيس أوباما، إذا كنت تعلم بما يجري في مصر فتلك مصيبة، وإن لم تكن تعلم فالمصيبة أعظم"، وأعلنها صريحة "أميركا التي رعت وما زالت ترعى يجب عليها أن تتدخل لإزاحة هذا الكابوس من حكم مصر".

جاء الزند، في إطار استكمال منظومة الثورة المضادة رص صفوفها، بينما تنشط، الآن، في معسكر مقاومة الانقلاب ما يمكن أن تطلق عليه "عناصر مكافحة الاصطفاف الثوري"، وكأنهم جنود أوفياء للدولة العكاشية.
-